روائع مختارة | روضة الدعاة | السيرة النبوية | نهج النبي العدنان.. في تربية وتعليم الغلمان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > السيرة النبوية > نهج النبي العدنان.. في تربية وتعليم الغلمان


  نهج النبي العدنان.. في تربية وتعليم الغلمان
     عدد مرات المشاهدة: 3288        عدد مرات الإرسال: 0

على كثرة الأعباء، وتعدد المهام الجسام، لرسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا) [الأحزاب: 45-46)].

نجد اهتمامه الكبير -صلى الله عليه وسلم- خيرُ من دعا، وخير من رَبي، وخير من أدب وعلّم - بتربية الغلمان، في مرحلة متقدمة من أعمارهم، بل حتى قبل قدومهم إلي هذه الحياة. ولما لا فحسن اختيار الحاضن السليم.

وأساليب التنشئة والتربية والتأديب والتعليم الصحيح - لغمان اليوم، رجالات المستقبل. - سبيل خيرية الأمة، ونهضتها الرسالية، وقوتها ومنعتها المعنوية والحضارية، وحلًا لمشكلاتها التربوية والتعليمية والاجتماعية المستحدثة في آن معًا.

فضلًا عن أن رؤية الإنسان وكينونته وسلوكه أمور محكُومة بتنشئته وتربيته، وهي لن تستقيم إلا بإتباع هديه الشريف الأنموذج والقدوة: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[الأحزاب: 21)].

- فمن هديه الشريف الاهتمام بحُسن اختيار الأم ذات الدين، فعن أبى هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك))(رواه البخاري ومسلم وغيرهما).

فالأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعبًا طيب الأعراق

- إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يؤكد على دور الأسرة في رعاية الغلمان وتنمية قدراتهم، ويُلقي بالمسؤولية في تعهد الطفولة على الوالدين، فيقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((كلكم راع ومسئول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها، ثم قال: فكلّكم راع وكلكم مسئول عن رعيته))[متفق عليه من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-].

- ومن نهجه الشريف: " أن يؤذن في أذن المولود اليمني، ويُقيم في أذنه اليسرى، ليكون أول ما يصل سمعه تلكم الكلمات النيرات.. تعظيمًا لله تعالي، وتوحيدا له، واعترافا برسالة وشعائر وشرائع رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-. فعن أبي رافع - رضي الله عنه -، قال رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أذن في أذن "الحسن" حين ولدته فاطمة" [الترمذي ج4 ص97، وقال حديث حسن صحيح].

- يوجه صلى الله عليه وسلم الأمة بقوله: ((إذا سميتم فعبدوا)) [رواه الطبراني والبيهقي].

فحُسن اختيار الاسم (عبد الله، وعبد الرحمن الخ، وإن كان ذلك يبدو أمرًا بسيطًا إلا انه قد يترك أثرا تكوينيًا شخصيًا مستمرا - إيجابيًا أو سلبيًا. ويضفي ظلالا قاتمة إذا لم يتم وفق ذلكم الهدي الشريف.

- عن أبي موسى - رضي الله عنه – قال: وُلد لي غلام فأتيت به النبي -صلى الله عليه وسلم- فسماه "إبراهيم"، فحنكه بتمرة ودعا له بالبركة، ودفعه إلي وكان أكبر ولد أبي موسى" [صحيح البخاري ج5 ص2081)].

- الفتح علي الولدان بكلمة لا إله إلا الله: فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((افتحوا علي صبيانكم بلا إله إلا الله))[رواه الحاكم)].

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما – قال: لما أنزل الله - عز وجل - على نبيه -صلى الله عليه وسلم-: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا).

تلاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه ذات ليلة أو قال يوم فخر فتى مغشيا عليه فوضع النبي -صلى الله عليه وسلم- يده على فؤاده فإذا هو يتحرك فقال: ((يا فتى قل لا إله إلا الله)) فقالها فبشره بالجنة" [المستدرك ج2 ص382)].

- كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ "الحسن والحسين" - رضي الله عنهما -. فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعوذ "الحسن والحسين" - رضي الله عنهما -، ويقول: ((إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق.. أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة)) [صحيح البخاري ج3 ص1233)].

- يحث صلى الله عليه وسلم الأم (الحاضن الأهم الأول) بملازمة أطفالها - وخصوصًا في سنواتهم الخمس الأولى - ليشعروا بالطمأنينة والأمن وهما سياجان ضروريان لنمو صحي سليم سيبني عليه لاحقًا.. تربية وتأديبًا وتعليما.

وفي هذا يروي أبو هريرة - رضي الله عنه -، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((نساء قريش خير نساء ركبن الإبل، أحناه على طفل وأرعاه على زوج في ذات يده))[رواه مسلم].

- توفيرّ كل العطف والحنان والحب (مع الحزم) المستمر للغلمان، وتواصل ذلك في جميع مراحل حياتهم - وخصوصًا في فترة المراهقة - وأخبارهم بذلك الحب، وإبعادهم عن كل ما يشينهم. فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: جاء أعرابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أتقبِّلون الصبيان؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة))[رواه البخاري).

- من الجميل أن يسمع كثير من الأطفال آباءهم يقولون لهم: إنهم يحبونهم كثيرًا، ولكن الأجمل من الآباء والأمهات أن يشعروهم بهذا الحب وهذه الحفاوة. قال البراء - رضي الله عنه -: رأيت النبي والحسن بن علي على عاتقه يقول: اللهم إني أُحِبُّه فأَحِبَّه.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: إن رسول الله التزم الحسن بن علي، فقال: ((اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه))، وقال أبو هريرة: فما كان أحد أحب إليَّ من الحسن بعد ما قال الرسول ما قال.

- مع كل ذلك الحب هناك حزم، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال أخذ "الحسن" - رضي الله عنه - تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((كخ، كخ..)) ثم قال: ((أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة))[صحيح البخاري ج2 ص542)].

- وفي اعتنائه -صلى الله عليه وسلم- بالرائع بالأطفال، ما رواه أنس قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقا وكان لي أخ يقال له: أبو عمير وكان إذا جاء قال: ((يا أبا عُمير ما فعل النُغير؟)) نغر كان يلعب به.

فربما حضرت الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس وتنضح، ثم يقوم ونقوم خلفه، فيصلي بنا.

إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يداعب الصغير ويواجهه بالسلام والخطاب، وفي ذلك فائدة عظيمة، وإنه لتقدير منه -صلى الله عليه وسلم-، وهو العظيم المرسَل إلى البشرية، يقدر الصغير فيثق بنفسه، ويشعر بقدره واحترام الناس له فيبرع.

- عن نهج عنايته ورعايته بالصبيان ليلًا، يروي جابر - رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا استجنح الليل أو كان جنح الليل فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ فإذا ذهب ساعة من العشاء فخلوهم وأغلق بابك واذكر اسم الله))[صحيح البخاري ج3 ص1195)].

- وعن تعليم الغلمان كيفية آداب الطعام والشراب، يذكر "عمر بن أبي سلمة" - رضي الله عنهما - فيقول: كنت غلاما في حجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا غلام: سمّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك))[متفق عليه، وهو عند مسلم، البخاري ج5 ص2056)].

- عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال، قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا بني: إذا دخلت على أهلك فسلم يكون بركة عليك وعلى أهل بيتك))[الترمذي ج5 ص59)].

- أمر الأولاد بالعبادة منذ السابعة من أعمارهم: ((مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع))[رواه الحاكم، وأبو داود، من حديث ابن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-)]، ويقاس علي الصلاة الترويض علي صوم أيام، عند الاستطاعة، والتعويد علي شعائر الحج إذا كان الأب يستطيعه.

- التعليم يبدأ من العام نحو الخاص، وقد نهج النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- هذا الأسلوب في جميع تعاليمه. فهذا هو سيدنا جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - يقول: "كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن فتيان حزاورة "أي قاربنا البلوغ" فتعلّمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيمانا"[رواه ابن ماجة)].

- وتستوقفك تلكم الأسس التربوية الإيمانية والعقدية والتعليمية الباهرة لرسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس - رضي الله عنهما -. يقول كنت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما فقال:

((يا غلام إني أعلمك كلمات؛ أحفظ الله يحفظك؛ أحفظ الله تجده تُجاهك؛ إذا سألت فاسأل الله؛ وإذا استعنت فاستعن بالله؛ واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلامُ وجفّت الصحف))[الترمذي ج4 ص667)].

فتأمل كيف أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتعامل مع غلام من الغلمان فيغرس فيه هذه الأسس، فكان "ابن عباس" - رضي الله عنهما - في الأمة ما كان.

- ثمة ركائز للتأديب، عن علي - رضي الله عنه - قال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم، وحب أهل بيته وقراءة القرآن...))[في كنز العمال ج16 ص189)].

- تعريفه أول ما يعقل إحكام الحلال والحرام: أخرج ابن جرير، ابن المنذر من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - انه قال: ((اعملوا بطاعة الله، واتقوا معاصي الله، ومروا أولادكم بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، فذلك وقاية لهم ولكم من النار)).

- عن "الحسن" - رضي الله عنه - قال: "علمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلمات أقولهن في قنوت الوتر: ((اللهم أهدني... وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت))[سنن أبي داود ج2 ص63)].

- عن شأن النفقة وتربية الأولاد، يروي معاذ - رضي الله عنه - قال أوصاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعشر كلمات قال: ((... وأنفق على عيالك من طولك ولا ترفع عنهم عصاك أدبا وأخفهم في الله))[مسند أحمد بن حنبل ج5 ص238)].

- رفيق بالخدم من الغلمان، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه – قال: خدمت النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين فما أمرني بأمر فتوانيت عنه أو ضيعته فلامني فان لامني أحد من أهل بيته، قال: ((دعوه فلو قدر أو قال لو قضي أن يكون كان))[(مسند أحمد بن حنبل ج3 ص231)].

- النهي عن "النظرة السلبية للناس"، والتي فيها احتقارهم وازدراؤهم والترفعُ عليهم، واعتبارهم مخطئين وخاطئين، الأمر الذي نهى عنه المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، فقال في شأن الكِبر: ((هو بَطر الحق وغمط الناس)).

والمعنى أن حقيقة الكِبْر إنما هي "ازدراء الناس ورد الحق تعصبًا لما هو عليه". وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في التحذير من الكِبْر: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر)).

وخطورة التعصب تتمثل في كونه قيْدًا على الحرية، وعقبة في طريق الإبداع إذ يلغي التفكير الحر، ويشلّ القدرة على النقد ومحاورة الآخرين ومناقشة آرائهم بموضوعية، ومن ثم كان على المسلم أن يربي ابنه على الموضوعية، وعلى قبول تعدد الآراء، والنظر فيها، واختبارها بالعقل، والتشجيع على التفكير العلمي الخلاق.

- مما يخنق الشخصية السوية ويعيق نموها، وحذر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عواقبه؛ الحرص على جمع المال وغيره من صور دنيوية لا تؤدي وظيفتها التي خلقت من أجله، واعتبارها "الغاية الهدف القيم" التي يتم السعي إليها. ومثل هذا قال فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وأنتكس، وإذا شيك فلا انتقش‏. ‏

طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعت رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة، كان في الحراسة، وإن كان في الساقة، كان في الساقة، إن أستأذن لم يؤذن له، وأن شفع لم يشفع))‏في الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه-).

- أبرزت لنا السنة المطهرة في أحاديث عديدة قيمة الوقت وبخاصة عن الأبناء من الشباب، والحرص عليه، وعدم إضاعته، والمؤمن المكلف يُحْسِن إدارة الوقت واستغلال كل دقيقة منه، وجعله الإطار الذي يُنَمّى فيه الإبداع.

وفي بيان أهمية هذه القيمة الثمينة يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به))(الترمذيّ بإسناد صحيح).

فالهدي النبوي يربي الوعي بقيمة الزمن، ويدعوه إلى المسارعة إلى اغتنام هذه القيمة، ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((اغتنم خمسًا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وشبابك قبل هرمك، وقوتك قبل ضعفك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك))[رواه الحاكم في المستدرك، 341، 4، وصححه الألباني في صحيح الجامع من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-].

- إن من هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أركان التربية والتعليم ومقوماتهما، أن يُطالِب المرء ببلوغ الغاية في إحسان العمل وإتقانه وفق أحسن المواصفات، قال الله - تعالى -: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[البقرة 195]، إن الله - تعالى - قد أحسن في خلقه الكون: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ)[السجدة 7]، لذا فقد طلب من عباده أن يُحسنوا ويبلغوا هذا المقام فيما أقامهم فيه، وفيما كلّفهم به.

أخرج الإمام مسلم عن أبي يعلى شداد بن أوس - رضي الله عنه - قال: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد شفرته وليرح ذبيحته)).

ومَنْ تدبر هذا الحديث وجده يشمل ظاهر الدين وباطنه، ويشمل العقيدة والشريعة، والعبادة والسلوك.

- لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يولي الطفولة عنايته، وهذا هديٌ بثّه في نفوس أصحابه الذين كانوا يصطحبون أطفالهم في مجالس الكبار، لتُبْنى شخصيةُ الطفل فتكبر، ولا شك أن احتكاك الصغار بالكبار له فاعلية في تنمية الشخصية، ويشجعها. روى ابن عمر - وهو لا يزال غلامًا - قصته في مجلس كبار الصحابة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: كنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إنّ من الشجر شجرة مَثَلها مَثَل المسلم.

فأردت أن أقول هي النخلة، فإذا أنا أصغر القوم، فسكتُ، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((هي النخلة)) وللبخاري في الأطعمة قال ابن عمر: فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم. إذن ها هو ابن عمر الأصغر سنًا يخالط الكبار، ويصغي إلى أحاديثهم، ومن ثم يكون كبيرًا ذا همة عالية.

- إن الكشف عن نبوغ الطفل مبكرًا وتحسّس جوانب تفوقه ورعايتها هو منهج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في تربيته لصحابته، هذا زيد بن ثابت كان ابن إحدى عشرة سنة حين قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، وقد كان غلاما ذكيا فطنا تبدو عليه علامات النبوغ.

قال زيد بن ثابت: أُتِي بي النبي -صلى الله عليه وسلم- مقدمه المدينة فقالوا: يا رسول الله هذا غلام بني النجار وقد قرأ مما أُنزل عليك سبع عشرة سورة، فقرأتُ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأعجبه ذلك وقال: يا زيد تعلم لي كتاب يهود فإني والله ما آمنهم على كتابي، فما مضى لي نصف شهر حتى حذقتُه، وكنت أكتب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كتب إليهم.

- هذا عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - يروي من وقائع معركة بدر قال: إني لفي الصف يوم بدر إذ التفتُ فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السنّ، فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحُدهما سرًا مِنْ صاحبه: يا عم أرني أبا جهل. فروى قصة قتلهما أبا جهل. هذان الفتيان بَدَرَ منهما ما لم يتفطن الكبار له، رَغِبا في الانتقام لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكان منهما الموقف الناضج.

وكان منهما التخطيط والتدبير، ثم إننا نلحظ التنافس بينهما على بلوغ الهدف العظيم، وأيّ هدف أعظم من تحقيق نصرٍ مظفر، واجتثاث رأس الكفر الذي أخبر عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيما رواه أحمد بسنده إلى ابن مسعود أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذهب مع ابن مسعود ليرى جسد أبي جهل فقال: "كان هذا فرعون هذه الأمة".

- لعل حاجة الأيتام، وذوي الاحتياجات الخاصة، لتوفير سبل وإمكانيات التربية والتعليم و" الأمن النفسي" أكبر وآكد من أسوياء الغلمان ومن ينشئون وسط أسرهم المعتادة.

لذا نجد الإسلام ينهى عن الإساءة إليهم والانتقاص من حقوقهم، يقول - تعالى -: (فأما اليتيم فلا تقهر) [الضحى: 9]، ويقول - تعالى -: (وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبًا كبيرًا) [النساء: 2].

ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يُحسن إليه وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يُساء إليه، ثم أشار بإصبعيه السبابة والوسطى: أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين))[(رواه البخاري)].

- وكان من نهجه الحرص علي نجاة غير المسلمين، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه – قال: كان غلام يهودي يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فمرض الغلام، فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوده فقال: ((يا غلام أسلم قل لا إله إلا الله فجعل الغلام ينظر إلى أبيه فقال له أبوه قل ما يقول لك محمد صلى الله عليه وسلم فقال لا إله إلا الله وأسلم فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه صلوا عليه وصلى عليه النبي)) صلى الله عليه وسلم [المستدرك ج4 ص323)].

- ويبقي انه حال انقطع عمل المرء فسيبقي ما ترك من عمل صالح يجدد له ويرفده بعمل جديد بعد الممات: ففي الحديث عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: ((إذا مات ابن آدم أنقطع عنه عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعوا له))[رواه مسلم 14، 1631].

جملة القول: إنها مشاهد سريعة لهديه -صلى الله عليه وسلم-، ونهجه أفضل طرائق التربية، وأقوم وسائل التعليم، واغزها تنوعًا، وأيسرها تطبيقًا، وأبلغها أثرا، وصل اللهم علي معلم الناس الخير.

المصدر: موقع المختار الإسلامي